الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.إعادة محمود إلى استاذية الدار واستقلاله في الدولة. هذا الرجل من ناسئة الترك وولدانهم ومن أعقاب كراي المنصوري منهم شب في ظل الدولة ومرعى نعمها ونهض بنفسه إلى الاضطلاع والكفاية وباشر كثيرا من أعمال الأمراء والوزراء حتى أوفى على ثنية النجابة وعرضته الشهرة على اختيار السلطان فعجم عوده ونقد جوهره ثم الحق به أغراض الخدمة ببابه فأصاب شاكله الرمية ومضى قدما في مذاهب السلطان مرهف الحد قوي الشكيمة فصدق ظنه وشكر اختياره ثم دفعه إلى معاينة الحبس وشد الدواوين من وظائف الدولة فجلا وهلك خلال ذلك أستاذ الدار بهادر المنجكي سنة تسعين فأقامه السلطان مكانه قهرمانا لداره ودولته وانتضاره على دواوين الجبابة من قراب اختياره ونقده جماعة للأموال غواصا على استخراج الحقوق السلطانية قارمنا للكنوز اكسيرا للنقود مغناطيسا للقنية يسابق أقلام الكتاب ويستوفى تفاصيل الحساب بمدارك الهامة وتصور صحيح وحدس ثاقب لا يرجع إلى حذاقة الكتاب ولا إلى ايسر الأعمال بل يتناول الصعاب فيذللها ويحوم على الأغراض البعيدة فيقربها وربما يحاضر بذكائه في العلوم فينفذ في مسائلها ويفحم جهابذتها موهبة من الله اختصه بها ونعمة أسبغ عليه لبوسها فقام بما دفع إليه السلطان من ذلك وأدر خروج الجباية فضاقت افنية الحواصل والخزائن بما تحصل وتسرب إليها وكفى السلطان مهمة في دولته ومماليكه ورجاله بما يسوغ لهم من نعمه ويوسع من أرزاقه وعطائه حتى أزاح عللهم بتوالي انفاقه وقرت عين السلطان باصطناعه وغص به الدواوين والحاشية ففوقوا إليه سهام السعاية وسلطوا عليه السنة المتظلمين فخلص من ذلك خلوص الأبر ولم تعلق به ظنة ولا حامت عليه ريبة ثم طرق الدولة ما طرقها من النكبة والاعتقال وأودعته المحنة غيابات السجون وحفت به أنواع المكاره واصطلمت نعمته واستصفيت أمواله في المصادرة والامتحان حتى زعموا أن الناصري المتغلب يومئذ استأئر منه بخمسة قناطير من دنانير الذهب ومنطاش بعده بخمسة وخمسين ثم خلص ابريزه من ذلك السبك وأهل قمره بعد المحاق واستقل السلطان من نكبته وطلع بافق مصره وتمهد أريكة ملكه ودفعه لما كان بسبيله فأحسن الكرة في الكفاية لمهمه وتوسيع عطاياه وأرزاقه وتمكين أحوال دولته وتسربت الجباية من غير حساب ولا تقرير إلى خزائنه وأحسن النظر في الصرف والخرج بحزمه وكفايته حتى عادت الأمور إلى أحسن معهودها بيمن تعبيته وسديد رأيه وصلابة عوده وقوة صرامته مع بذل معروفه وجاهه لمن تحت يده وبشاشته وكفايته لغاشيته وحسن الكرامة لمنتابه ومقابلة من يأتي إليه بكرم مقاصده فأصبح طرازا للدولة وتاجا للخواص وقذفه المنافسون بخطا السعايات فزلت في جهات جلم السلطان وجميل اغتباطه وتثبته حتى أعيتهم المذاهب وانسدت عليهم الطرق ورسخت قدمه في الدولة واحتل من السلطان بكرم العهد والذمة ووثق بغنائه واضطلاعه فرمى إليه مقاليد الأمور وأوطأ عقبه أعيان الخاصة والجمهور وأفرده في الدولة بالنظر في الأمور حسبانا وتقديرا وجمعا وتقريرا وكنزا موفرا وصرفا لا يعرف تبذيرا وبطرا وفي الانهاء بالعزل والاهانة مشهورا مع ما يمتاز به من الأمر والشأن وسمو مرتبته على مر الازمان وهو على ذلك لهذا العهد عند سفر السلطان إلى الشام لمدافعة سلطان المغل كما مر ذكره والله متولي الأمور لا رب غيره..مسير منطاش ويعبر إلى نواحي حلب وحصارها ثم مفارقة يعبر وحصاره عنتاب ثم رجوعه. ولما انهزمت العساكر بسلمية كما قلنا ارتحل يعبر في أحيائه ومعه منطاش وأصحابه إلى نواحي حلب وسار يعبر إلى بلد سرمين من اقطاعه ليقسهما في قومه على عادتهم وكان كمشيقا نائب حلب قد أقطعها الجند من التركمان في خدمته فلما وافاه يعبر فرجعوا عنه ولقيهم علي بن يعبر فقاتلوه وهزموه وقتلوا بعض أصحابه صبرا ورجع يعبر إلى أحيائه وارتحلوا إلى حلب فحاصروها وضيقوا عليها أيام رمضان ثم راجع يعبر نفسه وراسل كمشيقا نائب حلب في الطاعة واعتذر عما وقع منه وطوق الذنب بالجوباني وأصحابه أهل الواقعة وسال الامان مع حاجبه عبد الرحمن فأرسله كمشيقا إلى السلطان وأخبره بما اشترط يعبر فأجابه السلطان إلى سؤاله وشعر بذلك منطاش بمكانه من حصار حلب فارتاب وخادع يعبر إلى الغارة على التركمان بقربهم فأذن للعرب في المسير معه وسار معه منهم سبعمائة فلما جاوز الدربند أرجلهم عن الخيل وأخذها ولحق بالتركمان ونزل بمرعش بلد أميرهم سولي ورجع العرب مشاة إلى يعبر فارتحل إلى سبيله راجعا وسار منطلش إلى عنتاب من قلاع حلب ونائبها محمد بن شهري فملكها واعتصم نائبها بالقلعة أياما ثم ثبت منطاش وأثخن في أصحابه وقتل جماعة من أمرائه وكانت العساكر قد جاءت من حلب وحماة وصفد لقتاله فهرب إلى مرعش وسار منها إلى بلاد الروم واضمحل أمره وفارقه جماعة من أصحابه إلى العساكر وراجعوا طاعة السلطان آخر ذي القعدة من سنة اثنتين وسبعين وبعث سولى بن دلقادر أمير التركمان في عشر ذي الحجة يستأمن إلى السلطان فأمنه وولاه البلستين كما كان والله سبحانه وتعالى أعلم.
|